حي القصبة بالجزائر.. تراث عمراني ومعماري
“القصبة”Casbah La … الحي والمدينة التاريخيّة ااو ما تعرف ب “العاصمة القديمة”
كما يسميّها البعض أيضا، ما زالت صامدة لقرون طويلة في قلب مدينة الجزائر البيضاء،
وهي رمز خصوصية العاصمة الجزائريّة اليوم، تقف شاهدة على تفاصيل المرحلة العثمانية
ومرحلة الاحتلال الفرنسيّ، والثورة الجزائريّة ضدّ الاحتلال الفرنسيّ الذي دام 132
عاما، فرغم قدم أحيائها ظلت تحافظ على تراثها التاريخيّ المنقوش داخل البيوت
والمحلاّت، وفي الأزقّة، وعلى الجدران والنوافذ والأبواب القديمة التي تحكي ألف
حكاية وحكاية.
شيد هذا الحي
على هضبة تطل على البحر الأبيض المتوسط، وتتوسط عدة أحياء مثل باب الواد وسوسطارة
ووسط العاصمة.
لماذا تسمى بالقصبة:
تعني كلمة “القصبة”: المدينة المحصّنة والمحاطة
بالأسوار، ولها أبواب معروفة وتحكمها قوانين معيشية خاصّة وصارمة، من أهمّها
مواعيد فتح وغلق الأبواب الكبرى. وقصبة الجزائر هي على غرار القصبات الأخرى
الموجودة في دولة الجزائر من الناحيّة العمرانيّة، مثل قصبة بجاية وقصبة قسنطينة
وقصبة ورقلة في الجنوب الجزائريّ … وغيرها، أو القصبات المعروفة في الدول العربية
كتونس والمغرب وسورية.
ابواب القصبة الخمسة هي: باب جديد، باب دزاير، باب عزون، باب الواد، باب
البحر،
- إلى جانب
الأبواب الخمسة المذكورة، يذهب بعض المؤرخين الجزائريين إلى وجود بابين آخرين وهما
باب سيدي رمضان وباب الأسود، وأما باب سيدي رمضان، ففيه أيضا روايتين وهو أقدم
باب، فمن قائل أن تسميته نسبة إلى أحد جنود الجيش الإسلامي الذي قدم إلى شمال
إفريقيا ضمن حملة الفتوحات الإسلامية التي قادها الفاتح الإسلامي عقبة بن نافع حيث
استقر هذا الجندي بعد ذلك بالجزائر العاصمة، وبعد وفاته تم دفنه في إحدى أركان هذا
المسجد، ومن قائل إنه نسبة إلى أحد الأولياء الصالحين، ترجع أصوله إلى أحد
عروش مدينة الزيبان ببسكرة الجزائرية.
فأما باب
السبوعة، الذي يطلق عليه أيضا باب الأسُود، فهو باب منفصل يقع داخل الجزر في وسط
البحراب ، وأجمع المؤرخون عن عدم توفر مصادر رسمية توثق وجود هذا الباب وسبب
تسميته.
النمط العمراني للقصبة:
لا تزال قصور القصبة
موجودة إلى يومنا هذا، مثل قصر “مصطفى باشا” وقصر “دار الصوف” ودار عزيزة بنت
السلطان”، و”قصر الداي”، وقصر “خداوج العمياء” – وهي ابنة الداي حاكم الجزائر أيام
الوجود العثماني التركي في المدينة -، وقصر “سيدي عبد الرحمن”، وكلّها مباني تروى
حكايات أسطورية جميلة حدثت داخل القصبة ووسط بيوتها وقصورها، إضافة إلى قصر “دار
الحمرة” الذي تحول اليوم إلى “دار للثقافة”، وقصر “أحمد باي” الذي أقيم به المسرح
الوطنيّ “محي الدين بشطارزي” بالقرب من ساحة بورسعيد اليوم، فأضافت هذه القصور
الكثير لمدينة الجزائر “مزعنّة”، التي صمدت هويتها رغم جملة الاحتلالات الأجنبيّة
المتعاقبة عليها.
اغلب البيوت
والمنازل نفس النمط العمرانيّ في البناء، لذلك تجد منازل القصبة جميعا، منازل ذات
طابقين أو ثلاثة طوابق، وفوقها سطح كبير، ويتوسّط المنزل ساحة صغيرة أو كبيرة بحسب
مساحة المنزل، تدعى الحوش أو “وسط الدار”، وتوجد به نافورة المنزل، وفي جانبه بئر
المنزل، إذ تشبه منازل القصبة في الكثير من تفاصيلها المنازل الشامية العريقة، وفي
الطابقين الأرضيّ والأوّل توجد حجرات المنزل، من “بيت الضياف” أو “السقيفة”، إلى
حجرات النوم والمطبخ، وكانت نساء القصبة العتيقة تستخدمن ساحة المنزل لغسل اللباس،
حيث يوجد بـ:”الحوش” )وسط الدار( بئر المنزل، وكنّ تستخدمن سطح المنزل لنشر
الغسيل.
والملاحظ أنّ
السكنات في القصبة كانت كلّها تتربع تحت بعضها البعض، فلا يسمح لمن هو أسفل من
الآخر أن يأخذ لنفسه ببيته طبقات أعلى، قد يحرم بها جاره من هواء البحر البارد
أومنظر البحر الجميل، وفي القصبة أيضا الكثير من القصور والمنازل الفاخرة ذات
الطراز العربي الإسلامي، كما يلفت شكل النوافذ الجميل نظر كلّ زائر لجمالها وروعة
صنعها واتقان تشييدها، حيث أقيمت بواسطة أوتاد خشبيّة قصيرة وأخرى طويلة.
ومن أبرز
المساجد التي تشتهر بها مدينة القصبة العتيقة بالجزائر هناك: المسجد الكبير، ومسجد
كتشاوة، ومسجد “علي شنتير” الذي يعاد ترميمه حاليا في القصبة السفلى
كان في القصبة
ما يقارب عشرة آلاف بناية في العهد العثمانيّ، وتقلّص عدد المباني إلى ألف مبنى
بسبب محاولة التجديد الفرنسيّ للمباني بعد الإحتلال الذي أوجد أحياء جديدة على
أنقاض المباني العثمانية، فتداخلت المرحلتان العثمانية والفرنسية، وأخذت المباني
العثمانية والفرنسيّة تتعايش في القصبة لتحوّلتها إلى ما يشبه المتحف الحيّ الذي
يجسّد المرحلتين معا في آن واحد. وقد قامت منظمة اليونيسكو سنة 1990 بتصنيف القصبة
العتيقة في الجزائر ضمن التراث العالميّ، ما شجّع السلطات الجزائريةعلى اتّخاذ
إجراءات لإحياء القصبة من جديد، وإعادة ترميم مبانيها.
القصبة العتيقة اليوم
اليوم، راحت
أيام القصبة القديمة، فالحيّ الذي كان معروفا بالحركة الدائمة لم يعد نشطا
بالسكّان كما كان في الماضي، حيث آثر الكثير من السكّان الانتقال إلى بيوت عصريّة
خارج القصبة، وذلك ما جعل وزارة الثقافة الجزائريّة تحرص على إعادة ترميمها و
تخصيص بعض قصور القصبة لإنشاء مراكز للتكوين المهني في الحرف والصناعات
التقليديّة، كالطرز على الحرير وخياطة البرانيس والجلاليب الخاصة بمنطقة المغرب
العربيّ، ولا تزال أبواب القصبة مفتوحة للزائرين، ليتعرّفوا عليها عن قرب، ويعرفوا
عنها وعن تاريخها المزيد، فأهلا بكلّ زائر لقصبة الجزائر العتيقة الصامدة
0 commentaires: